السياسة بين الوطن والمواطن
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
السياسة بين الوطن والمواطن
السياسة بين الوطن والمواطن بقلم : صلاح صبحية
اتصلت بها في بداية العام الجديد أتمنى لها دوام الصحة والعافية والخير والسعادة ، فردت متمنية لي ما تمنيت لها وزادت قائلة : أما زلت تكتب في السياسة ؟
قلت : هي السياسة التي ليس لنا منها بُــد .
قالت : ولكنها السياسة المقرفة في عالمنا العربي ، كتابة وسلوكاً وقيمة ومردوداً .
قلت : ذلك صحيح ، لأنّ منهجنا في التعامل مع السياسة منهج خاطىء ، فنحن نمارس السياسة إمّا ترفـاً ، وإمّا تجارة ، وإمّا
ادعاءً ، ولا نمارسها كفن حكمٍ كما عرّفها البعض .
قالت : ولكنّ الكتابة أيضاً في السياسة أصبحت كذلك ترفاً وتجارة يمارسها معظم من يكتبون فيها .
قلت : بل قولي أكثر من ذلك بأنها وسيلة للجلوس في بلاط الحاكم ، أو للتقرب من حاشية الحاكم ، ولعلّ الكاتب يكون محظياً
عندما يجود الحاكم عليه بالمنح المادية والمعنوية والتي يدّعي أنّه تكرّم بها من جيبه الخاص .
قالت : وهل تبقى الكتابة عندئذٍ موصوفة بأنها كتابة سياسية ؟
قلت : نعم فهي سياسة الفرد في الوصول إلى قصر السلطان ، وهذه هي كتابة المصلحة الفردية الخاصة .
قالت : وكثرٌ هم الحالمون بذلك ، حتى يدخلوا قصر السلطان ، بل يكفيهم أن يقفوا على باب القصر انطلاقا من أنّ بوّاب
الأمير أمير، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
قلت : والمشكلة يا صديقتي أن من يكتب يظنُّ أنّه وحده الكاتب العبقري أو ( الكتّيب ) ، بل والمشكلة الأدهى ، أنّ وسائل
النشر من صحافة ورقية ، وصحافة إلكترونية ، وصحافة مسموعة ومرئية ، لم تعد تهتم بالكتابة الموضوعية ، بل بالكتابة التسويقية ، تسويق سياسة الحاكم ، تسويق وسيلة النشر ، بل أنّ وسيلة النشر تعمل على تسويق ذاتها من خلال تسويق كُـتّـابا بعينهم دون النظر إلى مضمون كتاباتهم ، بل الأكثر غرابة هو القارىء ، فهو يقرأ لا ليعرف مضمون ما يقرأ ويحكم على ما يقرأ بموضوعية ، بل من أجل أن يحدد موقفا من هذا الموضوع أياً كان كاتب هذا الموضوع ، وقد أتاحت الصحافة الإلكترونية ذلك بيسر وسهولة ، حيث أنّ من أهم مزايا الصحافة الإلكترونية تلقي الكاتب تعليقا مباشرا على مقاله وموضوعه ، بل وصل الأمر أن يقوم القارىء بكتابة تعليق على العنوان دون قراءة الموضوع لأنّ الكاتب هو من تيار سياسي معين .
قالت : ومتى نتخلص من هذه الحالة القذرة المقرفة ، ونسمو فوق خلافاتنا واختلافاتنا ، ونعامل بعضنا بعضا على قاعدة
قبول الرأي الآخر .
قلت : كـأنك تعيشين في عالم ليس عالمنا ، فكل الذي نراه هو نتيجة تربية خاطئة في بيوتنا ، هذه التربية القائمة على النهج السلطوي ، فالأب هو الحاكم بأمر الله داخل أسرته ، وعلى أفراد الأسرة أن يقدموا له الولاء والطاعة وإن كان على خطأ ، فطاعة الأب من طاعة الله ، وهذا النهج ينتقل من الأجداد إلى الآباء إلى الأحفاد ، وهذا النهج نراه في التربية المدرسية ، نراه في الجامعة ، نراه في أماكن العمل المختلفة ، النهج السلطوي ، فأنا وحدي الذي أفهم وباقي الناس لا يفهمون ، ووحده الحاكم الذي يعرف مصلحة البلاد فيحيلها يؤرة فساد يصعب الخلاص منها ، وإن أشرت إلى ذلك تصريحاً أو تلميحاً فأنت قد تجاوزت الحدود ، لأن كل ما في عالمنا العربي على أحسن ما يرام ، لأنّ حاكمنا كل ما لديه من أخبار حول البلاد بأنها بألف خير وألف سلام ، فلا فقر ولا جوع ولا حرمان ، ولأننا نعشق النهج السلطوي ، فما عدنا نسمي الاحتلال احتلالاً ،فلا احتلال لأرض البلاد ، فهذا الجيش الذي نسميه نحن الأغبياء جيش احتلال هو جيش تربية ليصنع منا مواطنين جدداً ، حيث أن فلسفة المواطن الجديد هو الحفاظ على أمن وسلامة الاحتلال ، ما عليك أيها المواطن سوى أن تدفع كل حياتك من أجل دوام الاحتلال ، إنه النهج السلطوي الذي جعلنا نُهان ونًذل في كل مجالات الحياة ، وفي كل حالات البلاد ، سواء كانت محتلة أو غير محتلة .
قالت : أما يوجد سبيلاً للخلاص من هذا النهج السلطوي ، ومن هذه الذات المفرطة بالأنانية الفردية والأنانية الحزبية .
قلت : بلى لكل داء دوائه ، ولكل علة خلاصها ، ولكل مسألة حلها ، ولكل مصيبة نهايتها ، ولكن كيف يكون كل ذلك ، ليس بالأماني والأحلام ، ولكن بالفعل والعمل ، وذلك من خلال معرفة الحق والحقيقة ، والإقرار بأننا مجموعة أفراد ، ومجموعة أفكار ، وإن الشيء لا يظهر إلا بنقيضه ، فالشر يعرف من خلال وجود الخير ، والبلاد المحتلة تعرف من خلال البلاد المستقلة ، وكل هذا يجب أن يؤدي إلى الاعتراف بنا مواطنين في بلادنا من قبل حكامنا ،وكما الواجب علينا أن نكون في خدمة وبناء الوطن والدفاع عنه كما يريدنا الحاكم أن نكون ، فإنّ لنا الحق مقابل ذلك أن نساهم في تعزيز الحرية والاستقلال ، فنقول كلمة الحق في المكان والزمان الذي يجب أن تقال فيه ، وذلك دون تجريح الآخرين أو تخوينهم .
فلسطين – ترشيحا في 5/1/2010 صلاح صبحية
صلاح صبحية- المساهمات : 32
تاريخ التسجيل : 27/09/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى